العملة الرقمية

ما هو المال؟ ومتى تم اختراعه؟ ومن الذي اخترعه؟ تاريخ المال مليء بالأحداث العجيبة و يعود الى آلاف السنين ، منذ أن بدأ الإنسان بالمقايضة حتى ظهور العملات المعدنية و حديثا العملات الورقية، كان المال محوراً أساسياً في طريقة تصرف المجتمعات.
سوف نتحدث في هذه المقالة عن بضع لمحات تاريخية وكيف تطورت الأمور من مقايضة بضع حاجيات إلى أنظمة اقتصادية كاملة و سنركز لاحقا على العملات الرقمية cryptocurrency مثل الbitcoin و أهم المراحل التي أدت إلى استعمال هذه العملة في عصرنا الحديث.
لنعد بالزمن إلى 5000 سنة قبل الميلاد إلى بلاد الرافدين حيث أوجد الناس هناك أول عملة معروفة سموها "الشيكل" و التي سهّلت العديد من الأمور في حياتهم فلم يعد الناس ملزمين بمقايضة بضائع معينة لأشخاص معينين، بل أصبح بإمكانهم تخزين المال و استعماله مع أي شخص ممكن بدل انتظار أن ينضج المحصول و المقايضة مقابل المحصول أو خدمة معينة وهكذا...
ثم بين عامي 600 و 650 قبل الميلاد ظهرت العملات الفضية و الذهبية التي تعد الحجر الأساس لنظام العملات العالمي، وفي عام 118 قبل الميلاد ظهرت أول عملة مصنوعة من الجلد وهي شبيهة بالعملات الورقية الحديثة لكن لم تُستخدم من قبل حضارات ذلك الزمن لأن ليس لها قيمة ثابتة عالمية على خلاف الذهب و الفضة الذي يحفظ قيمته في جميع الحضارات إلى يومنا هذا.
في عام 700 بعد الميلاد تم استخدام العملات الورقية في الصين لكن لم تصل إلى أوروبا و باقي العالم حتى عام 1816 بعد الميلاد حيث تم إعطاء قيمة بالذهب لكل عملة ورقية ، وكانت العملات الورقية مرتبطة حصراً بالبنوك وظل الأمر هكذا حتى عام 1930.
أما في الأيام الحالية فقد تطورت العملات بشكل كبير فالورق سهل الإتلاف وكان يجب إيجاد حل كي تكون العملات سهلة التداول و بنفس الوقت غير قابلة للإتلاف أو الضياع.
لذلك حاول العديد من العلماء و مهندسي الشفرات اختراع عملات مشفرة بشفرات غير قابلة للاختراق مثل العالم الأمريكي دافيد تشوم David chaum الذي طور نوعاً من العملة الرقمية لغرض التجارب لكن لم تكن تتداول أو تصلح لتكون عملة ، حتى جاءت منظمة غريبة عام 2009 تدّعي أن لديها مطور سموه ب Satoshi Nakamoto بإنشاء الbitcoin المعتمدة على طريقة تشفير بالغة التعقيد بتقنية hash و مخطط يثبت ويشرح آلية عملها ، وبالفعل لقد تحقق مرادهم وأصبحت الbitcoin هي أم العملات الرقمية فقد اشتق منها عملات أصغر مثل الlitecoin و في عام 2021 أعلنت دولتي السلفادور و كوبا باعتبار العملات الرقمية كعملات قانونية يسمح بتداولها ، عكس الصين التي كانت من أكبر المنتجين للعملات الرقمية فقد منعت الدولة تداولها تماما منذ ذلك العام.
والآن هل تساءلتم يوما كيف تبقى هذه العملات مشفرة وصعبة الاختراق من قبل القراصنة؟
العملة الرقمية تستمد قوتها من تقنية blockchain و التي هي قائمة متنامية من السجلات المرتبطة ببعضها بتقنية hash ، حيث كل سجل يشير الى الآخر بعنوانه وبياناته و أشياء عديدة تضمن وجود شبكة من البيانات المرتبطة ببعضها لذلك يعد من شبه المستحيل تعديل البيانات المحمية بتقنية الblockchain .
كل حاسوب مرتبط بشبكة بالعملة الرقمية يسمى عقدة node ، العقدة تدعم هذه الشبكة إما عن طريق تكرار التحويلات أو إستضافة نسخة من الblockchain التي تدعمها . عندما تحدث عملية نقل فجميع الأمور تحدث بشكل مشفر وخارج نطاق قدرة أي مخترق على فك الشفرة .
والآن لنأتي إلى الموضوع الذي يتحمس له الجميع وهو "التعدين" ، مصطلح يطلق في أيامنا هذه إلى عملية الحصول على العملة الرقمية فإذاً كيف يقومون بتعدين العملة الرقمية؟
إنّ تعدين العملات المعدنية ليس مثل طباعة الورق أو صب المعادن ، إنه بكل بساطة يحدث عند تحويل عملة من مستخدم إلى آخر فيقوم المُعدّنون من خلال حاسوبهم "العقدة" بتوفير اتصال آمن و التأكيد و التحقق من عملية التحويل من خلال إنشاء خوارزميات من نوع hash للحماية فيتم إعطائهم مكافأة على ذلك وهكذا يحصلون على العملات الرقمية ، يمكنكم الاستنتاج أيضا أنه كلما زادت عمليات التحويل كلما تم إعطاء مكافآت أكثر و إنشاء عملات رقمية أكثر.
و المتطلبات لعملية التعدين هي وجود حاسوب بكروت شاشة قوية ، فعملية التعدين تطلب كماً هائلا من عمليات المعالجة و كروت الشاشة تعد هي الأقوى في الحاسوب من هذه الناحية ، وأيضا بالطبع قدراً هائلاً من الكهرباء و التبريد ، مما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار كروت الشاشة إلى عدة أضعاف و حدوث أزمة في السوق العالمية بسبب نقص الكروت الذي أدى إلى زيادة إنتاجها مما أدى حدوث أزمة في توفير مادة السيليكون التي هي المادة الأساسية في الشرائح الموجودة في الكروت و أيضاً ارتفاع أسعار العديد من قطع الحاسوب التي تعتمد على هذه التقنية.
في الحقيقة إن السنوات الماضية كانت مليئة بالأحداث بالنسبة للعملات الرقمية و كروت الشاشة و الأزمة التي سببتها الصين بسبب العدد الهائل من المعدنين لديها يعد أمراً فوق الخيال بتأثيره على السوق العالمية ، و جاء قرار الحكومة الصينية بمنع التعدين و العملة الرقمية كالمنقذ لسوق قطع الحاسوب فالأسعار تعود تدريجيا إلى ما كانت عليه و توفرت الكروت من جديد بأسعار مقبولة وأصبح كل من يريد صنع تجميعة PC قادراً على فعل ذلك دون وضع كليته ثمناً لكرت الشاشة .
ما رأيكم بهذه العملات الرقمية وهل هي برأيكم عملة المستقبل ؟ أم سوف تختفي فجأة كما ظهرت مع المنظمة الغريبة التي أوجدتها ؟ في الحقيقة حالياً لا يوجد مؤشر على أي خطر يهدد باندثارها ، فوجودها محدد بوجود مستخدميها و المسؤولين عن عملية التعدين و الدول التي تسمح بتداول هذا النوع من العملات ، لا يمكننا الجزم بأي شيء حالياً لكن تأثيرها في السنوات السابقة في العالم أثبت وجود تقنيات جديدة من التشفير فتحت الباب أمام العالم لمستوى آخر من الأمان لحفظ بياناتهم وتداولها ، من يدري كيف ستكون الأنظمة الاقتصادية بعد 100 سنة من الآن ؟ هل سنبقى نتعامل مع المال بشكل مادي أم أن الفضاء الالكتروني سيكون حاوياً للاقتصاد العالمي؟...
ما هي ردة فعلك؟






