Nanotechnology
تقنية النانو:
إذا كنت من متابعي المجلّات والمقالات العلمية فبالتأكيد قد مررت بعبارة تكنولوجيا النانو "Nanotechnology" التي قدمت الوعود الكثيرة لتغيير حياتنا اليومية سواء من الناحية الصناعيّة، الزراعيّة وأيضاً الحيويّة، فهل هي يا ترى تكنولوجيا المستقبل؟
مع دراسة العناصر ذات الأحجام الصغيرة ومركباتها وما نستطيع تكوين أجهزة منها، قد نتوصل إلى تشكيل مواد أقوى، ملاحظة الأمراض من مجرى الدم، تصنيع آلات متناهية في الصغر أو حتى توليد الطاقة وتنقية المياه بشكل أكثر كفاءة.
كما يقول المثل "الحاجة أمُّ الاختراع" فهذه التكنولوجيا نبعت من حاجة الإنسان إلى مركبات أقوى وتوفير في استهلاك الطاقة (كما ذكرنا في مقالة تجميع قطع الحاسوب فكلما صغرت تقنية التصنيع مثلاً من 10 إلى 7 نانومتر كان المعالج موفّراً للطاقة أكثر) لذلك التّوجه العالمي في هذه الأيام كان في المجال الصناعي/التجاري أو الحيوي فإن تقنية النانو أصبحت في كل مكان الآن، وليس فقط في هذا الزمان بل منذ العصور الوسطى نجد بعض جزيئات الذهب المتناهية في الصغر على زجاج الكنائس موضوعة بدقة مع مختلف الألوان كي تشكل الرسم المراد.
يطلق مصطلح تكنولوجيا النانو على البحث والتطوير ضمن مجال 1-100 نانومتر وكلمة نانو Nano تعني 1 في المليار، حيث يختلف التعامل مع المواد على المستوى الذّريّ فقوانين الفيزياء الكلاسيكية لا تكفي بل يجب اللّجوء إلى علم ميكانيكا الكم الذي يوضح الاختلاف في هذا العالم المصغّر.
لننطلق الآن ونبدأ رحلة التعرف على مجالات استخدام هذه التكنولوجيا، تخيل عزيزي القارئ وجود مادة أقوى من الفولاذ ب10 أضعاف ولكن بنفس الوقت وزنها لا يتعدّى نسبة ضئيلة من وزنه، هذا الأمر أصبح ممكناً بفضل تكنولوجيا النانو واختراع ألياف الكربون والتي استخدمت في هياكل السيارات وفي ملابس الجنود للحماية من الرصاص والعديد من التطبيقات العسكرية والصناعية، بالإضافة إلى الحواسيب المصغرة التي تعتمد على هذه التقنية في تشفير البيانات والقيام بعمليات المحاكاة والتنبؤ بنتائج التجارب مسبقاً، لكن أثبتت التجارب أنّ الحاسوب المصغر Nanocomputer قادر على معالجة البيانات الضخمة بكفاءة عالية لكن الأعمال الاعتيادية والصغيرة لم يبد تحسناً في السرعة لذلك أصبح هناك تناسب طردي حيث كلما زاد حجم البيانات كلما زادت السرعة المعالجة على المستوى الكمّي.
بالإضافة إلى التطبيقات في مجالات الصحة ويجب أن نشير إلى القشرة المصغرة Nanoshells التي هي عبارة عن غلاف صغير يتم حقنه في الجسم فتسافر مع الدم حتى وصولها إلى مكان السرطان فترتبط فقط بالخلايا الخبيثة وعند تحفيزها بشعاع ليزر تطلق الحرارة مما يؤدي إلى حرق النسيج المصاب بالسرطان، كما يمكن صنع جسيمات مصغّرة تحمل جزء من الدواء المراد حقنه فيقوم المهندسون والأطباء ببرمجتها ألّا تطلق ما بداخلها حتى الوصول إلى منطقة معينة من الجسم، وغيرها من التطبيقات التي قد تلغي الحاجة إلى العمليات الجراحية مثل تطوير مفاصل وأعضاء دائمة للمريض دون الحاجة إلى تبديلها كل عدة سنوات، أما في مجالات الطاقة والصناعة فقد استُخدمت ألياف الكربون في تدعيم هياكل السيارات مما جعلها أكثر سلامة وأخفّ وزناً بالإضافة إلى طرق جديدة لتوليد الإضاءة عوضاً عن تسخين المعدن إلى أن يتوهج وضياع الطاقة إلى حرارة يمكن استخدام الكريستالات المصغرة Nanocrystals التي يمكنها تحويل الكهرباء إلى ضوء دون حاجة للتسخين أو ضياع كبير في الطاقة، ولا يمكننا أن ننسى التقنيات الجديدة في مياه المحيطات حيث لم تقدم لنا فقط الماء الصالح للشرب بل أيضاً ماء صالح لريّ المحاصيل الزراعية.
ومنذ فترة ليست بطويلة قام العلماء بتطوير روبوتات في منتهى الصّغر يتم التحكم بها بمجال مغناطيسي، وتم إجراء عدة تجارب لمعرفة لأي مدى يمكن استغلال هذه الروبوتات إن كان من الناحية الصحية أو الصناعية.
لكل اختراع أو فكرة جديدة معارضون، وهذا ما حدث مع تقنية النانو حيث خاف بعض الناس من فقدان السيطرة على الروبوتات المصغرة أو التعرض لاختراق خارجي والسيطرة عليها لمصالح أشخاص معينين مما جعل العلماء يمرون بحالة تطوير بطيئة لهذه التكنولوجيا تبعاً لضغط المسؤولين ومخاوفهم، هذا ما أثرى الخيال الخصب الموجود لدى مؤلفي الروايات ومنتجي الأفلام السينمائية التي تركّز على التكنولوجيا والخيال العلمي مثل فيلم I,Robot الذي ناقش مخاطر الذكاء الصنعي وما قد يحصل لو فقدنا السيطرةعليه، أو فيلم Transcendence الذي يناقش قضية وقوع تكنولوجيا النانو في الأيدي الخطأ واستخدامها للمصالح الشخصية.
العلم لا يتوقف عن التقدم والتطور، فكل يوم نسمع عن عشرات الاكتشافات الجديدة التي تلفت انتباهنا وتثير خيالنا مثل تكنولوجيا النانو التي وعدت بنقل البشرية إلى مستوى آخر في الصناعة والطب، فهل أنتم مؤيدون لهذا الرأي وهل ترون فيها وسيلة آمنة كي نضع آمالنا فيها؟