لسنا هنا بصدد التفاصيل الدقيقة لمناهج البحث العلمي، فمجال ذلك في غير هذه الزاوية العلمية المختصرة، غير أن ذلك لا يعفينا من ذكر ملامح أبرز المناهج المستخدمة في البحث العلمي، وإحالة المستزيد على مراجع وافية تشبع حاجته في هذا الخصوص.
ونشير بداية إلى أن للعلماء العرب إسهامهم أيضاً في منهجية البحث العلمي، ذلك الإسهام الذي حظى باهتمام بعض الأساتذة المتخصصين فتتبعوا مظاهره وسجلوا أسسه في دراسات قيمة.
من تعريفات المنهج أنه "فن التنظيم الصحيح لسلسلة من الأفكار العديدة، إما من أجل الكشف عن الحقيقة حين نكون بها جاهلين أو من أجل البرهنة عليها للآخرين حين نكون بها عارفين" .
أما أشهر المناهج المتصلة بالدراسات الإنسانية فهو المنهج الوثائقي والمنهج الاستقرائي والتحليلي والوصفي والاستنباطي. فالمنهج الوثائقي هو ذلك الذي يعتمد على الوثائق والآثار التي تعود إلى الماضي باعتبارها مادة أولية يقوم البحث على أساسها ويتوصل من خلالها إلى نتائجه النهائية.
ويعمل الباحث وفق المنهج الوثائقي أو التاريخي على تتبع مراحل معينة تبلغ به إلى الحقائق التاريخية، ويُعنى خلال هذه المراحل بجمع الوثائق أو المخطوطات أو الآثار ثم يتحرى في إثبات صحتها وصحة نسبتها إلى مؤلفيها أو صانعيها، وتحديد زمان ومكان تأليفها أو صناعتها. وتوفر كتب المناهج التاريخية تفاصيل كثيرةً حول نقد هذه الآثار داخلياً وخارجياً، إيجابياً وسلبياً، ويمكن أن يلجأ إليها المستزيد لتعطيه الصورة كاملة .
ويقوم المنهج الاستقرائي على دراسة أفراد الظاهرة أي حدث ما حصل دراسة كلية أو جزئية. وتسمى الدراسة الشاملة لأفراد الظاهرة بالاستقراء التام، أما الاستقراء الناقص فهو دراسة عينات محدودة للوصول إلى حكم عام ينطبق عليها وعلى غيرها من أفراد الظاهرة المدروسة.
والحق أن الاستقراء التام أقرب إلى أن الإحصاء العددي المحض منه إلى التحليل والبحث، ولذا يمكن أن يكون عاملاً مساعداً أو برهاناً قاطعاً من البراهين الواردة في ثنايا البحث أما الاستقراء الناقص فهو الأكثر استعمالاً والأجدر باهتمام الباحثين.
ويعتمد السالكون لهذا المنهج على ملاحظة العينات ووضع الفروض لها وتحليل تلك الفروض واختبارها حتى يتم الوصول إلى الفرض الصحيح. وفي مرحلة أخيرة يتثبت الباحث من صحة فرضه المنتخب بالطرق المعروفة في هذا المنهج.
ويُقصد بالمنهج التحليلي عزل عناصر الشيئ الواحد بعضها عن بعض حتى يمكن إدراكه بوضوح ويتم الانتقال فيه من مرحلة التصور الكلي إلى مرحلة إدراك الجزئيات .
تدرس تلك الجزئيات لمعرفة مضامينها وخضائصها والصلة الرابطة بينها وبين سائر الجزئيات الأخرى، ثم تبدأ مرحلة أخرى هي مرحلة التأليف بين هذه الجزئيات، أو ما يعرف بعملية التركيب.
أما المنهج الوصفي، فيتضمن المسح ودراسة الحالة وتحليل الوظائف والبحث المكتبي، ويعتمد هذا المنهج على جمع المعلومات والحقائق ويعمل على دراستها دراسة وصفية تقوم على المقارنة والتحليل والتصنيف والتفسير بغية الوصول إلى نتائج وأحكام عامة .
ويقصد بالمنهج الاستنباطي "انتقال الذهن من قضية أو عدة قضايا مسلم بها إلى قضية أو قضايا أخرى هي النتيجة؛ وفق قواعد المنطق، ودون التجاء إلى التجربة"
وينقسم إلى:
1- بديهيات، وهي القضايا البينة بنفسها والصادفة بالضرورة، مثل أن الكل أكبر من جزئه.
2- مسلمات، وهي القضايا غير المتناقضة وغير المحتاجة إلى دليل مثل قولنا: لايمكن رسم أكثر من مستقيم بين نقطتين، أو لا يتقاطع المستقيمان إلا في نقطة واحدة.
ويتضح الفرق بين البديهيات والمسلمات في أن البديهيات صادقة بالضرورة العقلية، أما المسلمات فأقل يقينية منها وإن كنا نسلم جدلاً بصدقها .
3- التعريفات، وهي الحدود الجامعة لصفات المعرَّف المانعة لغيرها من الدخول في تعريفه.
ونصل في ختام هذا المقال أن منهج البحث هو الطريقة السليمة التي يعتمدها الباحث للوصول إلى هدفه المنشود، الذي حدده في بداية بحثه.