تطلق المخطوطات فيراد منها ما بقي من التراث الإنساني مدوناً بالكتابة اليدوية على اختلاف لغاتها، ويراد بتحقيقها كل ما يتعلق بالعناية العلمية بها من توثيق نسبتها إلى مؤلفيها، والتثبت من صحة عناوينها، وملاحظة ما عسى أن يكون دخيلاً على متنها أو ناقصاً منه، ومقابلة نسخها، وتخريج اقتباساتها.
ويمكن أن نقول في كلمة جامعة، إن العناية العلمية بالمخطوطات تعني إخراجها إلى القارىء في أقرب صورة ممكنة من أصلها الذي كتبه المؤلف إذا لم يمكن وضعها في صورة مطابقة لذلك.
وهذا يعني أن التحقيق يشمل الأمور التالية:
1- التعرف على الورق والخط:
من حيث العمر والنوع والاختلافات بين أول المخطوط وآخره ووسطه، وتعليل ذلك، والتعرف على المداد وتغيراته والناسخ وتاريخ النسخ ومكانه.
2- تحقيق العنوان:
وهو أمر جدير بالعناية، ولا يجوز للمحقق أن يعتمد فيه اعتماداً كلياً على ما يوجد في ظهر المخطوطة من كتابة لا مصداق لها بداخلها؛ فقد يكون الغلاف لكتاب آخر وضعت المخطوطة بين دفتيه، أو يكون وضع العنوان تصرف اجتهادي من قبل ناسخ جاهل بذلك العنوان، أو ما إلى ذلك من الأسباب.
ويعتمد المحقق في تحقيق العنوان على:
i. فهارس الكتب.
ii. تراجم المؤلف.
iii. متن المخطوطة.
iv. المصادر والمراجع التالية لعصر المؤلف أو المعاصرة له.
3- توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه:
نسبت بعض المخطوطات إلى غير أصحابها لأسباب مختلفة ليس أكثرها بسوء القصد، كما قد يتوهم القارىء، إذ وجدت مخطوطات منسوبة لمتملكها لإثبات الملكية فقط، ولم يثبت إلى جانبه اسم المؤلف. ودفع تشابه العناوين أن ينسب بعض النساخ مخطوطات إلى غير أصحابها، إما لأنهم لم يجدوا اسم المؤلف على المخطوط، أو لاعتقادهم أن هذا العنوان ليس للمؤلف المثبت فينسبونه إلى من اشتهر بتأليف كتاب يحمل العنوان نفسه.
وعلى المحقق أن يمسك بالخيط الأول وهو اسم المؤلف المثبت على صفحة العنوان، ثم يتتبع المصادر التي ذكرت في تحقيق العنوان، ويتعرف على خصائص أسلوب المؤلف وطبيعة ثقافته، ومدى انطباق ذلك على عمله الذي بين يديه.
4- تحقيق النص:
يعمل المحقق على إخراج النص في صورة مطابقة أو مقارنة للأصل - كما تقدم - وهي مهمة تحتاج إلى الأمانة في نقل تلك الصورة دون زيادة أو نقص، كما تحتاج إلى الدقة والمهارة اللتين تنتجهما الخبرة والتمرّس؛ فقد يغير حرف أو حركة أو علامة ترقيم من سياق المعنى المراد فتعرض المحقق لزلل والمخطوط للتحريف.
5- هوامش التحقيق وحواشيه:
حواشي التحقيق وهوامشها مهمة في التحقيقات الحديثة، على أن يراعى في وضعها عدم إثقال النص بذلك، فإن تخريج النصوص والإشارة إلى الأعلام والمعالم التاريخية والجغرافية وبعض التعليقات الموجزة أمر يساعد على إضاءة النص وتوضيحه.
كما تستخدم الهوامش لبيان اختلاف الروايات بين نسخ المخطوطة وإضافة المصادر والمراجع التي تزيد في وضوح معلومات النص أو الحواشي.
خطوات تحقيق النص :
يسير المحقق في عمله وفق خطوات متعددة يمكن أن ينظمها على النمط التالي:
- اختيار المخطوط، مراعياً في ذلك عدم إنفاق الجهد في عمل سبق تحقيقه، ما لم يكن في إعادة التحقيق إضافة علمية مهمة.
- جمع أصوله واختيار أوضحها وأصَحّها وأقربها إلى عصر المؤلف لتكون أصلاً تقابل عليه النسخ الأخرى.
- الضبط: يجتزىء بعض المحققين بضبط مواضع اللبس حتى لا يحدث بكثرة الضبط إظلام للنص، ويرى غيره ضرورة الضبط الكامل معتبراً ذلك من تمام التحقيق، ولا اختلاف في ضرورة المحافظة على ضبط المخطوط الأصلي أو الإشارة إلى أخطائه إذا وقع فيه خطأ "فهذا الضبط له حرمته وأمانته وواجب المحقق أن يؤديه كما وجده في النسخة الأم"