الكتابة أساليبها وأنواعها 1

الكتابة أساليبها وأنواعها 1
   معالجة الكتابة النثرية عمل يحتاج إلى مران وثقافة أكثر من حاجته إلى قواعد ونظم محددة، على أن هذه الأخيرة تساعد دون ريب في تنسيق أفكار الكاتب وتحسين أساليبه الكتابية.
  وسيجد القارىء في هذه العجالة تصوراً لهيكل الموضوع النثري، وإشارة إلى أدوات الكتابة، وبياناً موجزاً لخصائص الأساليب والأفكار، وتذكيراً بأنواع الكتابة وطبيعة كل نوع منها.
 وتبقى هذه النظرات أفكاراً مجردة إذا لم يحرص الطالب على تنفيذها في أعمال تطبيقية تحت إشراف أستاذه والالتزام بتوجيهاته.
هيكل الموضوع النثري:
  كتابة موضوع نثري ما بحثاً كان أو مقالة أو أطروحة أو غيرها يحتاج إلى نسيج معين يجعله في صورة موحدة ومتناسقة ولذا كان تخطيط الهيكل العام للبحث على درجة كبيرة من الأهمية باعتباره يضع الحدود الرئيسة للموضوع فيما يشبه وضع خارطة تحتوي على المعالم الأساس لأي هيكل معماري.
  ومثلما يتكون البناء من أحجار متجاورة ومتناسقة ثم من جدران محصورة بين الأعمدة يتكون الموضوع من ألفاظ مختارة وجمل متناسقة وفقرات وفصول.
أولاً الألفاظ:
     فالألفاظ هي الوحدات  الصغرى في العمل التأليفي المتكامل، وهو لا يصلح إلا إذا روعيت في وحداته شروط الاختيار الجيد ومنها:
1- الوضوح:
 فالكلمات الغامضة، أو تلك التي تضع ضبابية بين الملتقى والمعنى المراد يحسن بالكاتب أن يبتعد عنها لأنها تُعرّض الأفكار لخطر سوء الفهم، وربما صرفت القارىء عن متابعتها.
  إن اللفظة الجيدة هي التي تجعل الذهن يقفز إلى معناها مباشرة دون احتمالات أو ظنون، والمباشرة في المنهج العلمي للكتابة تختلف عن المباشرة الممقوتة في تناول الموضوعات التوجيهية والأنواع الأدبية كما لا يخفى، وعلى ذلك فالوضوح يتطلب مجانبة الألفاظ الضعيفة والمعقدة والغامضة، وكذلك المصطلحات العلمية غير المنتشرة ما لم يوضحها الكاتب في هامش موضوعه.
  ولا بد من التذكير بأن وضوح الفكرة وترتيبها ونضجها في ذهن الكاتب يساعده في اختيار الكلمات الواضحة والمؤهلة لتقديمها في صورة جيدة.
2- الدقة:
   هذه النقطة وثيقة الصلة بسابقتها ولكنها غيرها في الواقع، فقد تكون الكلمة واضحة المعنى وغير معبرة بدقة عن المعنى المراد، ويخشى في هذا الصدد من سوء استعمال الألفاظ القريبة المعنى مع وجود فروق قليلة بينها كالترادفات والمشتركات اللفظة والمصطلحات المستعملة في العلوم بمعانٍ مختلفة تخرجها عن معناها الأصيل، والكلمات ذات المعاني العامة غير المحددة.

 

ثانياً: الجمل
أما الجمل فلا تقل أهمية عن الألفاظ، ولقد كان أبرز الكتاب العرب القدامى وهو الجاحظ يولي بالغ الاهتمام بالتراكيب ويعتني بها عناية خاصة، فالعناية بالتراكيب تعني حسن صياغتها والاهتمام بالأساليب البلاغية منها وحفظها من الأخطاء النحوية، واجتناب الضعف الناتج عن التفكك أو كثرة الإضافات، والفصل الطويل بين أجزاء الجملة، والرتابة والسرد، والأخطاء الشائعة، ولكل هذه العيوب أمثلة يطول ذكرها. أما علاجها فيتم عن طريق معالجة النماذج الممتازة من النثر الفني والبحوث العلمية، وبمراجعة وتنقيح المادة المكتوبة، وتنويع أساليبها، والإلمام الكافي بالقواعد العربية.
والاهتمام بالجمل لا يعني أن يقف الكاتب عند كل جملة فيعيد فيها النظر حتى يتأكد من سلامتها ثم ينتقل إلى غيرها، بل إن المطلوب عكس ذلك تماماً، أي أن يدون أفكاره بصورة عامة في جمل مترابطة حتى ينتهي منها، ثم يعود إلى مراجعة الجمل وتنقيحها وتصحيحها.
وعلى الكاتب أن يراعي إتمام الجملة بما يجعل السكوت على نهايتها حسناَ ومتوازناً مع الجمل الأخرى، إذا ليس تمام الجملة مقتصراً على سلامتها اللغوية ولكنه يتطلب التناسق بين جمل الموضوع كلها، وإحكام نسجها وتنويع أساليبها.


ثالثاً: الفقرات
والفقرة هي المقطع ذو الفكرة الرئيسية الواحدة الموضحة بالأمثلة أو الإحصائيات، والمؤيدة بالتعليلات والبراهين، وتحتوي كل فقرة على جملة رئيسة تمثل الفكرة العامة للفقرة ومجموعة من الجمل الجزئية المفسرة أو المبرهنة المتصلة بها اتصالاً وثيقاً.
  ويجب عند كتابة كل فقرة جديدة أن يبدأ السطر الأول منها - خلافاً لبقية أسطرها- بفراغ يقدر بعدة مسافات آلية، وتكون المسافات بين الفقرات أوسع نسبياً من تلك التي تفصل بين الأسطر في الفقرة الواحدة، وهو ما يكفل للموضوع الإضاءة وحسن التقسيم.

 

رابعاً: الفصول
إذا كانت البداية في تخطيط هيكل البحث تنطلق من اختيار الموضوع العام ثم تقسيمه إلى فصول، وتقسيم الفصول إلى فقرات، والفقرات إلى جمل جزئية مفسرة أو مبرهنة، في ألفاظ مختارة اختياراً جيداً لتأدية المضامين المطلوبة فإن العمل الكتابي يبدأ عكسياً من الكلمة وينتهي بأكبر قسم من أقسام البحث وهو المسمى فصلاً أو قسماً أو باباً أو ما إلى ذلك من تسميات.
وأول ما يراعي في تأليف الفصول هو المنطقية أو المنهجية في الانتقال بين أجزاء الفصل الداخلية أو بين الفصول ذاتها، أي أن الانتقال يجب أن يكون متدرجاً ومترابطاً بحيث تسلم كل فكرة إلى الفكرة التالية، ويمهد كل فصل لتابعه، ليكون العمل أشبه بمقدمات منطقية تُسْلِمُ كل فكرة إلى الأخرى وتنتهي جميعها بنتيجة سليمة ومقنعة.
والمنطقية في صورتها هذه تغنيننا عن نقطة مهمة يلح عليها المنهجيون، وهي وحدة العمل الفكري وتماسكه وتجنبنا عيباً طالما حذروا منه وهو الاستطراد والتوسع أو الاختصار المخل.
ويتصل بذلك أن تكون نظرة الكاتب إلى موضوعه شمولية، فلا يركز على نقطة دون أخرى، ولا يغفل عن جزئية يعد حذفها نقصاً في هيكل البحث.
وعلى الكاتب أن يراعي التوازن في حجم الفصول، فلا يجعل بعضها في مئات الصفحات وبعضها الآخر في صفحات قليلة، على أن ذلك لا يعني التطابق المتعسف في تحديد أحجام الفصول، إذ من الطبيعي أن تختلف فيما بينها بعض الاختلاف نتيجة لتباين حاجات أفكارها إلى المادة اللغوية أو إلى التفاصيل والأمثلة.

 

عيوب الفقرات والفصول
تشترك الفقرات والفصول في عيوب متعددة قد يتعرض لها الكاتب، ومنها:
1- الاستطراد: وهو الخروج من تسلسل الأفكار المتعلقة بالفقرة أو الفصل إلى موضوعات خارجية، بداع من دواعي التشابه بينها وبين قضايا موضوعه الأصلي، فالحديث -شجون ولكن المنهجية ومخططاتها تضع له حدوداً لا يتجاوزها.
2- سوء البرهنة على أفكار النص: وهو أن يقع الباحث أثناء البرهنة على قضايا موضوعه في أخطاء التفكير التي تناولها موضوع التفكير العلمي.
3- الخلل في التركيب اللغوي وسوء اختيار الألفاظ ينعكس سلبياً على الفقرات والفصول، ويحسب في عيوبها.
4- عدم التوازن: وهو أن يكون بعض الفقرات والفصول طويل جداً، ويكون غيرها قصير جداً، ولا عبرة في ذلك بالاختلافات اليسيرة التي قد يسببها تفاوت الأفكار وحاجتها إلى الاستيفاء.
5- الاضطراب في ترتيب الأفكار: وهو أن يختل النظام المنطقي في ترتيب الفقرات والفصول وتنسيقها بحيث يقدم ما حقه الـتأخير ويؤخر ما حقه التقديم.
 
 
 

ما هي ردة فعلك؟

like
1998
dislike
2
love
402
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0