الكتابة أساليبها وأنواعها 1
ثانياً: الجمل
أما الجمل فلا تقل أهمية عن الألفاظ، ولقد كان أبرز الكتاب العرب القدامى وهو الجاحظ يولي بالغ الاهتمام بالتراكيب ويعتني بها عناية خاصة، فالعناية بالتراكيب تعني حسن صياغتها والاهتمام بالأساليب البلاغية منها وحفظها من الأخطاء النحوية، واجتناب الضعف الناتج عن التفكك أو كثرة الإضافات، والفصل الطويل بين أجزاء الجملة، والرتابة والسرد، والأخطاء الشائعة، ولكل هذه العيوب أمثلة يطول ذكرها. أما علاجها فيتم عن طريق معالجة النماذج الممتازة من النثر الفني والبحوث العلمية، وبمراجعة وتنقيح المادة المكتوبة، وتنويع أساليبها، والإلمام الكافي بالقواعد العربية.
والاهتمام بالجمل لا يعني أن يقف الكاتب عند كل جملة فيعيد فيها النظر حتى يتأكد من سلامتها ثم ينتقل إلى غيرها، بل إن المطلوب عكس ذلك تماماً، أي أن يدون أفكاره بصورة عامة في جمل مترابطة حتى ينتهي منها، ثم يعود إلى مراجعة الجمل وتنقيحها وتصحيحها.
وعلى الكاتب أن يراعي إتمام الجملة بما يجعل السكوت على نهايتها حسناَ ومتوازناً مع الجمل الأخرى، إذا ليس تمام الجملة مقتصراً على سلامتها اللغوية ولكنه يتطلب التناسق بين جمل الموضوع كلها، وإحكام نسجها وتنويع أساليبها.
ثالثاً: الفقرات
والفقرة هي المقطع ذو الفكرة الرئيسية الواحدة الموضحة بالأمثلة أو الإحصائيات، والمؤيدة بالتعليلات والبراهين، وتحتوي كل فقرة على جملة رئيسة تمثل الفكرة العامة للفقرة ومجموعة من الجمل الجزئية المفسرة أو المبرهنة المتصلة بها اتصالاً وثيقاً.
ويجب عند كتابة كل فقرة جديدة أن يبدأ السطر الأول منها - خلافاً لبقية أسطرها- بفراغ يقدر بعدة مسافات آلية، وتكون المسافات بين الفقرات أوسع نسبياً من تلك التي تفصل بين الأسطر في الفقرة الواحدة، وهو ما يكفل للموضوع الإضاءة وحسن التقسيم.
رابعاً: الفصول
إذا كانت البداية في تخطيط هيكل البحث تنطلق من اختيار الموضوع العام ثم تقسيمه إلى فصول، وتقسيم الفصول إلى فقرات، والفقرات إلى جمل جزئية مفسرة أو مبرهنة، في ألفاظ مختارة اختياراً جيداً لتأدية المضامين المطلوبة فإن العمل الكتابي يبدأ عكسياً من الكلمة وينتهي بأكبر قسم من أقسام البحث وهو المسمى فصلاً أو قسماً أو باباً أو ما إلى ذلك من تسميات.
وأول ما يراعي في تأليف الفصول هو المنطقية أو المنهجية في الانتقال بين أجزاء الفصل الداخلية أو بين الفصول ذاتها، أي أن الانتقال يجب أن يكون متدرجاً ومترابطاً بحيث تسلم كل فكرة إلى الفكرة التالية، ويمهد كل فصل لتابعه، ليكون العمل أشبه بمقدمات منطقية تُسْلِمُ كل فكرة إلى الأخرى وتنتهي جميعها بنتيجة سليمة ومقنعة.
والمنطقية في صورتها هذه تغنيننا عن نقطة مهمة يلح عليها المنهجيون، وهي وحدة العمل الفكري وتماسكه وتجنبنا عيباً طالما حذروا منه وهو الاستطراد والتوسع أو الاختصار المخل.
ويتصل بذلك أن تكون نظرة الكاتب إلى موضوعه شمولية، فلا يركز على نقطة دون أخرى، ولا يغفل عن جزئية يعد حذفها نقصاً في هيكل البحث.
وعلى الكاتب أن يراعي التوازن في حجم الفصول، فلا يجعل بعضها في مئات الصفحات وبعضها الآخر في صفحات قليلة، على أن ذلك لا يعني التطابق المتعسف في تحديد أحجام الفصول، إذ من الطبيعي أن تختلف فيما بينها بعض الاختلاف نتيجة لتباين حاجات أفكارها إلى المادة اللغوية أو إلى التفاصيل والأمثلة.