قد يكون البحث سليماً في لغته، أنيقاً في أسلوبه، ولكنه محشو بأفكار مضطربة وبراهين ضعيفة، وعند ذلك يصبح البحث مجرد شيء لا يحتوي قيمة حقيقية لبحث علمي، ومن هنا كانت العناية بالتفكير العلمي لمعرفة معاييره وأخطائه ضرورية للباحث الجاد.
فالتفكير العلمي هو حسن استخدام العقل في تفسير الأمور وتنظيمها، وفق سبل منطقية، وخطوات منهجية متعاقبة.
وليس غرض هذا البحث أن يغوص في دروس المنطق فيتناول قوانين التفكير المنطقي المبسوطة في كتبه؛ كقانون الهوية، وقانون التناقض، وقانون الثالث المرفوع، ولكن يكفي أن نقف عند بعض المعايير التي يقاس بها صواب البحث العلمي من خطئه وتوفيقه من عدمه، وأهمها ما يلي:
1) مدى اتباع المنهج العلمي الصحيح الذي يدل على أن كاتب البحث ذو عقل منظم، بعيدٍ في كتابته عن العشوائية والتخبط والتناقض.
2) مدى اتباع الدقة في استعمال اللغة؛ إذ لا مكان في منطق البحث للكلمات الضبابية، والعبارات العامة، والمصطلحات الغامضة وغيرها من الكلمات التي يصعب تحديد معناها الدقيق، ما لم توضح هذه أو تلك بالأمثلة أو بالشرح.
3) الموضوعية: وهي أن يتجرد الكاتب من الذاتية والتعصب، ويلتزم الإنصاف والحياد في مناقشة الموضوع المدروس، فالباحث القدير هو الذي يملك عقلاً لا يخضع للآراء دون اختبارها، ولا يضيق بآراء الآخرين أو يخفيها لأنها تخالف آراءه وميوله الشخصية، بل عليه أن يثبتها، إذا دعت إلى إثباتها حاجة البحث، وأن يعلن موافقته عليها أو رفضها بالأدلة الكافية إثباتاً أو نفياً.
4) المنطقية: ويقصد بها أن يكون السير في البحث وفق خطوات مرتبة يقبلها العقل السليم، وأن تكون البرهنة على أفكاره مناسبة لإثبات مسائل البحث وقضاياه.