الأتمتة Automation

الأتمتة Automation

الأتمتة Automation

 

شهدت الحضارات منذ الثورة الصناعية انقلاباً هائلاً في مفاهيم عدة في مجالات الزراعة والصناعة والتجارة ومن أبرزها مفهوم الإنتاج ، فقد كانت معظم المنتجات الصناعية من ألبسة وأدوات وحتى بعض الأطعمة تصنع بشكل يدوي من قبل الحرفيين والمختصين بها وكانت تلك العملية تستغرق وقتاً وجهداً كبيراً وتعطي منتجات غير متشابهة بشكل دقيق، هذا ما دعا بعض الصناعيين والعلماء إلى البحث عن طرق لاستبدال اليد العاملة بالآلات، و هذا ما نجح فيه البريطانيون في القرن الثامن عشر حيث تفجرت الشرارة الأولى للثورة الصناعية باكتشاف الآلة البخارية التي ساهمت في ازدهار أهم محورين في الصناعة آنذاك وهي صناعة النسيج والصلب، ثم انتشرت هذه الثورة في باقي بلدان أوروبا مثل فرنسا وألمانيا حتى وصلت إلى أمريكا الشمالية وقد ساعد ذلك على زيادة الإنتاجية وتقليل الجهد والتكلفة، حتى أنّ مفهوم المدن  المتقدمة  أصبح يرتبط بالمعامل والمصانع العملاقة.

 بينما لازالت القرى تعيش في القرن السابق.. لذلك القرن بعزلة عن التطور الكبير في الإنتاجية الحاصلة في العالم.

جلبت الثورة الصناعية مفهوماً جديداً في الصناعة وهو الأتمتة automation فأصبح هذا المصطلح يرمز لاستعمال الآلة بدل الأيدي البشري أو بتدخل جزئي، أولاً تم استعمال الطاقة البخارية ثم طاقة الاحتراق الداخلي المعتمدة على المحروقات فالكهرباء مما أدى إلى إنتاج دائم ومستمر للبضائع والمنتجات المتنوعة وإنشاء السكك الحديدية والقطارات وتطور كبير في مجال الاتصالات.

لكن مفهوم الأتمتة لم يتوقف عند هذا الحد، فالكلام الذي ذكرته هو فقط إدخال الآلات في بيئة العمل، لكن مصطلح الأتمتة الحقيقي يرمز إلى دمج الآلات في نظام التحكم الذاتي حيث تصبح قدر الإمكان قادرة على تصنيع المنتج من أوله إلى آخره بالاعتماد على نظام خاص بها لا يتطلب تدخلاً بشرياً بشكل دائم.

أصبح تطوير هذه التقنية يعتمد بشكلٍ متزايد على استخدام أجهزة الحاسوب والتقنيات المرتبطة به، وبالتالي صارت الأنظمة الآلية معقدة بشكلٍ متزايد، لكن هذه الأنظمة المتقدمة تمثل مستوى عاليًا من القدرة والأداء يفوق في العديد من النواحي قدرات البشر على إنجاز نفس النشاطات.

أما في الفترة الأخيرة فقد دخلت الأتمتة في مجالات البرمجة المتنوعة حيث بدلاً من كتابة نفس الكود (الأوامر) عند القيام بعملية معينة، نقوم بأتمتة هذه العملية بتخزين العملية في تابع function ونقوم ببرمجة هذا التابع كي يعمل عند مدخلات معينة أو وقت معين، فيقوم الحاسوب بتنفيذ كافة التعليمات هذه دون تدخل بشري، وهذه هي خطوات الأتمتة: يقوم المبرمج ببرمجة الآلة وفق معطيات معينة ثم يختبر الآلة ويضبط توقيتها مع باقي الآلات كي تعمل بشكل متناغم وتحقق السلسلة الإنتاجية المطلوبة في خط العمل.

هل تعلم عزيزي القارئ أن النص الذي تقرؤه الآن قد تم إدخاله وعرضه بواسطة توابع عديدة تتحكم بتدفق المعلومات عبر الشاشة. وقد تمj أتمتتها من قبل المبرمجين الذين اخترعوا نظام التشغيل ومحرر النصوص الذي قد تمت كتابة المقالة عليه.

بالمجيء إلى عصرنا الحالي فلغة البرمجة المفضلة عند معظم المبرمجين لتطبيقات الأتمتة والذكاء الصنعي هي البايثون python نظراً لأنها تملك العديد من المكتبات الجاهزة المليئة بالتوابع مما يسهل علينا التركيز بالخوارزمية المراد إنشائها بعيداً عن التعقيدات غير اللازمة والطويلة كباقي اللغات، كما أنها توفر بيئة عمل مريحة للباحثين في مجالات الذكاء الصنعي وتُعلّم الآلة التي تستند إلى مفاهيم الأتمتة.

لنأخذ مثالاً على مفهوم الأتمتة في البرمجة وهو إقلاع الحاسوب، فبمجرد النقر على زر التشغيل تبدأ السلسلة الطويلة من المهام المؤتمتة في العمل فأولها هو إيصال الكهرباء من وحدة التغذية الى جميع قطع الحاسوب ثم يبدأ الbios الموجود في اللوحة الأم بالعمل والتعرف على القطع الموجودة من أجهزة إدخال وإخراج والتأكد من وجود جميع المتطلبات اللازمة لعملية الإقلاع ثم تبدأ مهمة نظام التشغيل بالقيام بالفحوصات اللازمة وتحميل واجهات المستخدم وصولاً إلى سطح المكتب حيث يصبح المستخدم جاهزاً لاستخدام النظام دون الحاجة إلى كتابة أي تعليمات إضافة فقط بمجرد النقر على زر التشغيل يتم عمل كل ذلك تلقائياً لأن المبرمجين الذين برمجوا نظام التشغيل قاموا بأتمتة كل هذه العمليات كي يصبح أي مستخدم قادراً على استخدام النظام دون الحاجة لأن يدرك ماهية قطع الحاسوب أو كيفية عمله.

لنأخذ مثالاً آخر وهو معامل السيارات الحديثة فبدلاً من وجود العمال والفنيين الذين يقومون بطرق الحديد وتشكيله؛ تم اختراع ذراع الآلية لكل مرحلة تقوم باستبدال العامل، فزادت الإنتاجية وتم توفير الجهد الذي يقوم به العامل، فهذه الذراع لا تحتاج إلّا إلى كهرباء وصيانة دورية بالإضافة إلى أنها لا تتعب ولا تطلب راتباً فقط مصاريف الصيانة والكهرباء والتي تعتبر رقماً بسيطاً مقارنةً برواتب العمال المشرفين على نفس العمل في حال قاموا بذلك يدوياً.

وفي السنوات القادمة بسبب تطور الذكاء الصنعي ووجوده في معظم مجالات حياتنا فإن الأتمتة أصبحت تعتبر محوراً رئيسياً في مجال دراسة أو عمل أي باحث أو مطور في تكنولوجيا هذا الزمان المليء بالاختراعات والاكتشافات الحديثة، هذا ما جلب العديد من الأفكار لبعض المحللين الاجتماعيين عن سيطرة الآلة على المصانع وانتشار البطالة في صفوف العمال بالإضافة إلى تفاقم خطر الهجمات الالكترونية مما قد ينشئ احتمالات غير مرغوب فيها مؤدية الى تخريب او فشل الخطة الإنتاجية، لذلك إنّ التطوير في هذا المجال يترافق مع حذر كبير لحماية بيئة العمل واستمرار الإنتاج وفق معايير الجودة المدروسة.

ما هي ردة فعلك؟

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0